يحكى أنّ هناك أمة



يحكى أنّ هناك أمة كانت للمجد علما، وللكون نبراسا، وللدنيا شمسا، كانت هذه الأمة تقود العالم وتدفعه للحق دفعا، وتشع بتعاليمها الخلق والقيم والفضيلة في شتى الأرض، وكانت تبث العلم والمعرفة والحضارة والتقدم، وكان أبناؤها للكون قادة وسادة.

أظنكم عرفتم هذه الأمة، إنّها أمتي الجريحة، أمة الإسلام..

لكن يا ترى ماذا حدث لها؟هل تعرفون؟ هل تدركون؟

كانت أمتي الإسلامية قلبا واحدا، كانت جسدا واحدا، كانت يدا واحدة، يجمعها قائد واحد ودولة واحدة، كان هناك ما يسمى الخلافة الإسلامية، تجمع الخلافة كل الدول الإسلامية عربية وغير عربية، لم تكن هناك حدود بين الدول، فهذه الحدود وضعها الاستعمار بعد أن مزقنا، كانت مصر والشام وتركيا والمغرب والصومال وباكستان وغيرها من بلاد الإسلام دولة واحدة.

يحكي لنا التاريخ أحداث سقوط هذه الخلافة، حيث سقطت في السابع والعشرين من شهر رجب لسنة 1342 هجريا، الموافق للثالث من مارس لسنة 1924 م، حيث تمكنت الدول الأوربية بقيادة بريطانيا وبواسطة عميلها "مصطفى كمال أتاتورك" من إسقاط الخلافة الإسلامية وإقامة الجمهورية العلمانية.

أواه يا أمتي الحبيبة أواه، هل تعرفون يا أبناء الإسلام البررة كيف سقطت؟ هل تعقلون حجم المصيبة؟

حينها وفي وقتها صرخ أحمد شوقي قائلا:

ضَجَّتْ عليكِ مـآذنٌ ومنابرٌ *** وبَكتْ عليـكِ ممالـكٌ ونـَواحِ
الهـندُ والهــةٌ ومصرُ حـزينة ٌ *** تَبْكي عليكِ بمَدمَـعٍ سَحّاحِ
والشّامُ تسْألُ والعِراقُ وفَارسٌ *** أَمَحَـا من الأرضِ الخلافـةَ ماحِ؟


وللأسف إن كان هذا التاريخ هو التاريخ الذي عرف بتاريخ سقوط الخلافة إلاّ أنّ الحقيقة أنّها سقطت قبل ذلك بكثير، لم تسقط عندما احتل الغرب أرضنا وإلاّ كان استرجاعها سهلا، ولكن سقطت الخلافة حينما احتل الغرب عقولنا، عندما غزى فكرنا، عندما رجعت البعثات التي ذهبت من بلادنا بغير الوجه الذي ذهبوا به، عندما رجعت البعثات بالفكر العلماني ونشروه لنا، رجعوا لنا بعد أن تربوا على موائدهم وشربوا من ثقافتهم، رجعوا لنا بالوطنية والقومية والتحرر من الخلافة الإسلامية، رجعوا لنا عندما اقتنعوا أنّهم أبناء الفراعنة وأبناء الاشوريين، وأبناء العرب والفينقيين والبابليين وغير ذلك من الحضارات البائدة.

فعندما خدعوهم وأقنعوهم أنّهم ينتسبون لحضارات بائدة وأوطان متفرقة، عندما زوروا لهم تاريخهم حتى لايجدوا أمام أعينهم سوى الحضارة الحالية، قصدي المدنية الحالية، المدنية الغربية، فيعتنقوها ويجعلوها لهم دينا ومذهبا، وذلك طبعا ـ وفق منظورهم ـ حتى يتقدموا وإلاّ ظلوا في العصور البائدة، يا للأسى أعموهم عن أعظم الحضارات، أعموهم عن حضارتهم الإسلامية، مسخوا هويتهم، جعلوهم كالخراف حتى يسيروا ورائهم، نسوا أنّهم أُسُود الإسلام، نسوا أنّهم أبناء أبي بكر وعمر، نسوا أنّهم ينتمون لخير أمة، ويمتلكون أعظم كتاب، وقائدهم أعظم نبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، رحمك الله يا ابن الخطاب حينما كنت تدخل القدس لتتسلم مفاتيحها وملابسك مرقعة راجلا لاتمتطي دابة بعد أن خضت في الطين، فقال لك أبو عبيدة رضي الله عنه: ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك . فقلت قولتك المشهورة يا ابن الخطاب: "لو قالها غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالا لأمة محمد، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"، جعلتها نبراسا ومنهاجا وأنت تتسلم مفتاح القدس الأسير، أرسلتها لنا رسالة عبر السنين، حقا لقد أذلنا الله بعد أن ابتغينا العزة عند أعداء الدين، حقا أذلنا الله بعد أن فرطنا في الدين، صدقت يا سيدي فإنّ العزة والنصرة في الاعتزاز بالإسلام وتطبيقه والانتماء إليه، فإذا استبدلناه وفقدنا الثقة به أذلنا الله.

فإيّاكم إيّاكم ونعرات الجاهلية، والفخر بالأنساب واللهجات والبلاد، تمسكوا بهويتكم الأصيلة، هويتكم الإسلامية.

قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «يا أيّها النّاس: ألا إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلاّ بالتقوى» [مسند أحمد :22978 وصححه الألباني].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات: 13].

عندما كنّا قلبا واحدا وجسدا واحدا نعيش بالإسلام وللإسلام كنّا أعزة، عندما كان المهاجرين يحاربون أهلهم من قريش ويتآخون مع سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي كانوا أعزة، نعم عندما كانت رابطة الإسلام أقوى من رابطة النسب، عندما كانوا يتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله ويطبقون الدين، فتمسكوا بهويتكم يا أُسُود الإسلام ولا تكونوا خرافا للغرب، وطبقوا دينكم وارفعوا رؤوسكم فأنتم تنتسبون لخير أمة.

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [سورة آل عمران: 110من الآية].

اللّهم يا ولي الإسلام وأهله أعز الإسلام والمسلمين.

أختكم في الله
ريهام سامح